فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن إسحق {وما كان لنفس} الآية أي لمحمد صلى الله عليه وسلم أجل هو بالغه، فإذا أذن الله في ذلك كان {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} أي من كان منكم يريد الدنيا ليست له رغبة في الآخرة نؤته ما قسم له فيها من رزق ولا حظ له في الآخرة {ومن يرد ثواب الآخرة} منكم {نؤته منها} ما وعده مع يجري عليه من رزقه في دنياه، وذلك جزاء الشاكرين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز في الآية قال: لا تموت نفس ولها في الدنيا عمر ساعة إلا بلغته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وسنجزي الشاكرين} قال: يعطي الله العبد بنيته الدنيا والآخرة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: قال أبو بكر: لو منعوني ولو عقالًا أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاهدتهم. ثم تلا {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}.
وأخرج البغوي في معجمه عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه أن سالمًا مولى أبي حذيفة، كان معه اللواء يوم اليمامة فقطعت يمينه، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره، فاعتنق اللواء وهو يقول: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} الآيتين. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة: {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة} إما إشارة إلى الأمر بالتوكل على الله تعالى في طلب الرزق والانقطاع إليه، أو رمز إلى الأمر بالإحسان إلى عباد الله المحتاجين من غير طلب نفع منهم، فقد ورد في بعض الآثار أن القرض أفضل من الصدقة، أو إيماء إلى عدم طلب الأجر على الأعمال بأن يفعلها محضًا لإظهار العبودية {واتقوا الله} من أكل الربا {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130] أي تفوزون بالحق {واتقوا النار التي أُعِدَّتْ للكافرين} [آل عمران: 131] أي اتقوني في النار لأن إحراقها وعذابها مني، وهذا سرّ عين الجمع قالوا: ويرجع في الحقيقة إلى تجلي القهر وهو بظاهره تخويف للعوام والتخويف الأول للخواص، وقليل ما هم {وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ} وهي ستر أفعالكم التي هي حجابكم الأعظم عن رؤية الحق {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السموات والأرض} وهي جنة توحيد الأفعال وهو توحيد عالم الملك، ولذا ذكر سبحانه السموات والأرض وذكر العرض دون الطول لأن الأفعال باعتبار السلسلة العرضية وهي توقف كل فعل على فعل آخر تنحصر في عالم الملك الذي تصل إليه أفهام الناس ويقدرونه، وأما باعتبار الطول فلا تنحصر فيه ولا يقدر قدرها إذ الفعل مظهر الوصف، والوصف مظهر الذات، والذات لا نهاية لها ولا حد {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] فالمحجوبون عن الذات والصفات لا يرون إلا هذه الجنة، وأما البارزون لله الواحد القهار فعرض جنتهم عين طولها ولا حدّ لطولها فلا يقدر قدرها طولًا وعرضًا {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] حجب أفعالهم وترك نسبة الأفعال إلى غير الحق جل جلاله، ويحتمل أنه سبحانه دعا خلقه على اختلاف مراتبهم إلى فعل ما يؤدي إلى المغفرة على اختلاف مراتبها فإن الذنب مختلف وذنب المعصوم قلة معرفته بربه بالنظر إلى عظمة جماله وجلاله في نفس الأمر.
وفي الخبر عن سيد العارفين صلى الله عليه وسلم «سبحانك ما عرفناك حق معرفتك» فما عرفه العارفون من حيث هو وإنما عرفوه من حيث هم وفرق بين المعرفتين، ولهذا قيل: ما عرف الله تعالى إلا الله تعالى ودعاهم أيضا إلى ما يجرّهم إلى الجنة، والخطاب بذلك إن كان للعارفين فهو دعاء إلى عين الجمع ليتجلى لهم بالوسائط لبقائهم في المعرفة وفي الحقيقة معرفته قربته وجنته مشاهدته، وفي حقيقة الحقيقة هي الذات الجامع التي لا يصل إليها الأغيار، ومن هنا قيل: ليس في الجنة إلا الله تعالى وإن كان الخطاب بالنظر إلى آحاد المؤمنين فالمراد بها أنواع التجليات الجمالية أو ظاهرها الذي أفصح به لسان الشريعة ودعاؤهم إليه من باب التربية وجلب النفوس البشرية التي لم تفطم بعد من رضع ثدي اللذائذ إلى ما يرغبها في كسب الكمالات الإنسانية والترقي إلى ذروة المعارج الإلهية الذين ينفقون نفائس نفوسهم لمولاهم في السراء والضراء في حالتي الجمال والجلال، ويحتمل أن يراد الذين لا تمنعهم الأحوال المتضادة عن الإنفاق فيما يرضي الله تعالى لصحة توكلهم عليه سبحانه برؤية جميع الأفعال منه {والكاظمين الغيظ} الذي يعرض للإنسان بحسب الطبيعة البشرية وكظمهم له قد يكون بالشدّ عليه بوكاء التسليم والرضا وذلك بالنظر لمن هو في مقام جنة الصفات، وأما من دونهم فكظمهم دون هذا الكظم، وسبب الكظم أنهم يرون الجناية عليهم فعل الله تعالى وليس للخلق مدخل فيها {والعافين عَنِ الناس} إما لأنهم في مقام توحيد الأفعال، أو لأنهم في مقام توحيد الصفات.
{والله يُحِبُّ المحسنين} [آل عمران: 134] حسب مراتبهم في الإحسان {والذين إِذَا فَعَلُواْ فاحشة} أي كبيرة من الكبائر وهي رؤية أفعالهم المحرمة عليهم تحريم رؤية الأجنبيات بشهوة {أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ} بنقصهم حقوقها والتثبط عن تكميلها {ذَكَرُواْ الله} أي تذكروا عظمته وعلموا أنه لا فاعل في الحقيقة سواه {فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ} أي طلبوا ستر أفعالهم عنهم بالتبري عن الحول والقوة إلا بالله {وَمَن يَغْفِرُ الذنوب} وهي رؤية الأفعال أو النظر إلى سائر الأغيار {إِلاَّ الله} وهو الملك العظيم الذي لا يتعاظمه شيء {وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ} في غفلتهم ونقصوا حق نفوسهم {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] حقيقة الأمر وأن لا فعل لغيره {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ} وهو ستره لوجودهم بوجوده وترقيهم من مقام توحيد الأفعال إلى ما فوقه {وجنات} أي أشياء خفية وهي جنات الغيب وبساتين المشاهدة والمداناة التي هي عيون صفات الذات {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي تجري منها أنهار الأوصاف الأزلية {خالدين فِيهَا} بلا مكث ولا قطع ولا خطر الزمان ولا حجب المكان ولا تغير {وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} [آل عمران: 136] ومنهم الواقفون بشرط الوفاء في العشق على الحضرة القديمة بلا نقض للعهود ولا سهو في الشهود {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} بطشات ووقائع في الذين كذبوا الأنبياء في دعائهم إلى التوحيد {فَسِيرُواْ} بأفكاركم {فِى الأرض فانظروا} وتأملوا في آثارها لتعلموا {كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} [آل عمران: 137] أي آخر أمرهم ونهايته التي استدعاها التكذيب ويحتمل أن يكون هذا أمرًا للنفوس بأن تنظر إلى آثار القوى النفسانية التي في أرض الطبيعة لتعلم ماذا عراها وكيف انتهى حالها فلعلها ترقى بسبب ذلك عن حضيض اللحوق بها {هذا} أي كلام الله تعالى.
{بَيَانٌ لّلنَّاسِ} يبين لهم حقائق أمور الكونين {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ} يتوصل به إلى الحضرة الإلهية.
{لّلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138] وهم أهل الله تعالى وخاصته.
واختلف الحال لاختلاف استعداد المستمعين للكلام إذ منهم قوم يسمعونه أسماع العقول، ومنهم قوم يسمعونه بأسماع الأسرار، وحظ الأولين منه الامتثال والاعتبار، وحظ الآخرين مع ذلك الكشف وملاحظة الأنوار وقد تجلى الحق فيه لخواص عباده ومقربي أهل اصطفائه فشاهدوا أنوارًا تجلى وصفة قديمة وراء عالم الحروف تتلى {وَلاَ تَهِنُواْ} أي لا تضعفوا في الجهاد {وَلاَ تَحْزَنُواْ} على ما فاتكم من الفتح ونالكم من قتل الأخوان {وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ} في الرتبة {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] أي موحدين حيث أن الموحد يرى الكل من مولاه فأقل درجاته الصبر {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مّثْلُهُ} ولم يبالوا مع أنهم دونكم {وَتِلْكَ الايام} أي الوقائع {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس} فيوم لطائفة وآخر لأخرى {وَلِيَعْلَمَ الله الذين ءامَنُواْ} أي ليظهر علمه التفصيلي التابع لوقوع المعلوم {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} وهم الذين يشهدون الحق فيذهلون عن أنفسهم {والله لاَ يُحِبُّ الظالمين} [آل عمران: 140] أي الذين ظلموا أنفسهم وأضاعوا حقها ولم يكملوا نشأتها {وَلِيُمَحّصَ الله الذين ءامَنُواْ} أي ليخلصهم من الذنوب والغواشي التي تبعدهم من الله تعالى بالعقوبة والبلية {وَيَمْحَقَ} أي يهلك {الكافرين} [آل عمران: 141] بنار أنانيتهم {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة} أي تلجوا عالم القدس {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين} [آل عمران: 142] أي ولم يظهر منكم مجاهدات تورث المشاهدات وصبر على تزكية النفوس وتصفية القلوب على وفق الشريعة وقانون الطريقة ليتجلى للأرواح أنوار الحقيقة {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت} أي موت النفوس عن صفاتها {مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ} بالمجاهدات والرياضات {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} برؤية أسبابه وهي الحرب مع أعداء الله تعالى: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} [آل عمران: 143] أي تعلمون أن ذلك الجهاد أحد أسباب موت النفس عن صفاتها، ويحتمل أن يقال: إن الموقن إذا لم يكن يقينه ملكة تمنى أمورًا وادعى أحوالًا حتى إذا امتحن ظهر منه ما يخالف دعواه وينافي تمنيه، ومن هنا قيل:
وإذا ما خلا الجبان بأرض ** طلب الطعن وحده والنزالا

ومتى رسخ ذلك اليقين وتمكن وصار ملكة ومقامًا ولم يبق حالا لم يختلف الأمر عليه عند الامتحان، والآية تشير إلى توبيخ المنهزمين بأن يقينهم كان حالا ولم يكن مقامًا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل} أي أنه بشر كسائر إخوانه من المرسلين فكما خلوا من قبله سيخلو هو من بعدهم {أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أعقابكم} ورجعتم القهقرى، والإشارة في ذلك إلى أنه تعالى عاتب من تزلزل لذهاب الواسطة العظمى عن البين وهو مناف لمشاهدة الحق ومعاينته، ولهذا قال الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله تعالى فإن الله تعالى حي لا يموت {وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئًا} لفنائه الذاتي {وَسَيَجْزِى الله} بالإيمان الحقيقي.
{الشاكرين} [آل عمران: 144] بالإيمان التقليدي بأداء حقوقه من الائتمار بأوامر الشرع والانتهاء عن نواهيه {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} هذا الموت المعلوم، أو الموت عن أوصافها الدنية وأخلاقها الردية {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} ومشيئته، أو جذبه باشراق نوره {وَمَن يُرِدِ} بمقتضى استعداده {ثَوَابَ الدنيا} جزاءًا لعمله {نُؤْتِهِ مِنْهَا} حسبما تقتضيه الحكمة {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة} جزاءًا لعمله {نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِى الشاكرين} [آل عمران: 145] ولعلهم الذين لم يريدوا الثوابين ولم يكن لهم غرض سوى العبودية، وأبهم جزاءهم للاشارة إلى أنه أمر وراء العبارة ولعله تجلى الحق لهم وهذا غاية متمني المحبين ونهاية مطلب السالكين، نسأل الله تعالى رضاه وتوفيقه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (146):

قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه وتعالى هذه الجمل على هذا الوجه الذي بين فيه العلل، وأوضح بحال الزلل، وكان التقدير بعد انقضائها: فكأين من قوم أمرناهم بالجهاد، فكانوا على هذين القسمين، فأثبنا الطائع وعذبنا العاصي، ولم يضرنا ذلك شيئًا، ولا جرى شيء منه على غير مرادنا، عطف عليه يؤسيهم بطريق الصالحين من قبلهم ويسيلهم بأحوالهم قوله: {وكأين} وهي بمعنى كم، وفيها لغات كثيرة، قرئ منها في العشر بثنتين: الجمهور بفتح الهمزة بعد الكاف وتشديد الياء المكسورة، وابن كثير وأبو جعفر بألف ممدودة بعد الكاف وهمزة مكسورة، ولعلها أبلغ- لأنه عوض عن الحرف المحذوف- من المشهورة بالمد، والمد أوقع في النفس وأوقر في القلب؛ وفيها كلام كثير- في لغاتها ومعناها وقراءاتها المتواترة والشاذة وصلًا ووقفًا، ورسمها في مصحف الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي وقع إجماع الصحابة عليه ليكون المرجع عند الاختلاف إليه، وهل هي بسيطة أو مركبة ومشتقة أو جامدة وفي كيفية التصرف في لغاتها- استوعبته في كتابي الجامع المبين لما قيل في {كأين}، وقال سبحانه: {من نبي} لتكون التسلية أعظم بذكر ما هو طبق ما وقع في هذه الغزوة من قتل أصحابه، واحتمال العبارة لقتله نفسه بقوله: {قتل} أي ذلك النبي حال كونه {معه} لكن الأرجح إسناد {قتل} إلى {ربيون} لموافقته قراءة الجماعة- سوى الحرميين وأبي عمرو-: قاتل معه {ربيون} أي علماؤهم ورثة الأنبياء، وعلى منهاجهم {كثير فما} أي فما تسبب عن قتل نبيهم وهنهم، أو يكون المعنى ويؤيده الوصف بالكثرة-: قتل الربيون، فما تسبب عن قتلهم أن الباقين بعدهم {وهنوا} أي ضعفوا عن عملهم {لما أصابهم في سبيل الله} أي الملك الأعظم من القتل لنبيهم الذي هو عمادهم، أو لإخوانهم الذين هم أعضادهم لكونه من الله {وما ضعفوا} أي مطلقًا في العمل ولا في غيره {وما استكانوا} أي وما خضعوا لأعدائهم فطلبوا أن يكونوا تحت أيديهم- تعريضًا بمن قال: اذهبَوا إلى أبي عامر الراهب ليأخذ لنا أمانًا من أبي سفيان، بل صبروا، فأحبهم الله لصبرهم {والله} أي الذي له صفات الكمال {يحب الصابرين} أي فليفعلن بهم من النصر وإعلاء القدر وجميع أنواع الإكرام فعل من يحبه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير وكائن على وزن كاعن ممدودًا مهموزًا مخففا، وقرأ الباقون كأين مشدودًا بوزن كعين وهي لغة قريش، ومن اللغة الأولى قول جرير:
وكائن بالأباطح من صديق ** يراني لو أصيب هو المصاب

وأنشد المفضل:
وكائن ترى في الحي من ذي قرابة

.قال ابن عاشور:

والتكثير المستفاد من {كأيّن} واقع على تمييزها وهو لفظ (نبيء) فيحتمل أن يكون تكثيرًا بمعنى مطلق العدد، فلا يتجاوز جمع القلّة، ويحتمل أن يكون تكثيرًا في معنى جمع الكثرة، فمنهم من علمناه ومنهم من لم نعلمه، كما قال تعالى: {ومنهم من لم نقصص عليك}، ويحضرني أسماء ستة مِمَّن قتل من الأنبياء: أرمياء قتلته بنو إسرائيل، وحزقيال قتلوه أيضا لأنَّه وبّخهم على سوء أعمالهم، وأشعياء قتله منسا بن حزقيال ملك إسرائيل لأنَّه وبّخه ووعظه على سوء فعله فنشره بمنشار، وزكرياء، ويحيى، قتلتهما بنو إسرائيل لإيمانهما بالمسيح، وقتل أهلُ الرسّ من العرب نبيئهم حنظلة بن صفوان في مدّة عدنان، والحواريّون اعتقدوا أنّ المسيح قُتل ولم يهنوا في إقامة دينه بعده، وليس مرادًا هنا وإنَّما العبرة بثبات أتباعه على دينه مع مفارقته لهم إذ العبرة في خلوّ الرسول وبقاء أتباعه، سواء كان بقتل أو غيره.
وليس في هؤلاء رسول إلاّ حنظلة بن صفوان، وليس فيهم أيضا من قُتِل في جِهادٍ، قال سعيد بن جبير: ما سمعنا بنبيء قتل في القتال. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {قتل معه} والباقون {قاتل معه} فعلى القراءة الأولى يكون المعنى أن كثيرا من الأنبياء قتلوا والذين بقوا بعدهم ما وهنوا في دينهم، بل استمروا على جهاد عدوهم ونصرة دينهم، فكان ينبغي أن يكون حالكم يا أمة محمد هكذا.
قال القفال رحمه الله: والوقف على هذا التأويل على قوله: {قتل} وقوله: {معه ربيون} حال بمعنى قتل حال ما كان معه ربيون، أو يكون على معنى التقديم والتأخير، أي وكأين من نبي معه ربيون كثير قتل فما وهن الربيون على كثرتهم، وفيه وجه آخر، وهو أن يكون المعنى وكأين من نبي قتل ممن كان معه وعلى دينه ربيون كثير فما ضعف الباقون ولا استكانو لقتل من قتل من إخوانهم، بل مضوا على جهاد عدوهم، فقد كان ينبغي أن يكون حالكم كذلك، وحجة هذه القراءة أن المقصود من هذه الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياء لتقتدي هذه الأمة بهم، وقد قال تعالى: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} [آل عمران: 144] فيجب أن يكون المذكور قتل سائر الأنبياء لا قتالهم، ومن قرأ {قاتل معه} فالمعنى: وكم من نبي قاتل معه العدد الكثير من أصحابه فأصابهم من عدوهم قرح فما وهنوا، لأن الذي أصابهم إنما هو في سبيل الله وطاعته وإقامة دينه ونصرة رسوله، فكذلك كان ينبغي أن تفعلوا مثل ذلك يا أمة محمد.
وحجة هذه القراءة أن المراد من هذه الآية ترغيب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في القتال، فوجب أن يكون المذكور هو القتال.
وأيضا روي عن سعيد بن جبير أنه قال: ما سمعنا بنبي قتل في القتال. اهـ.